الأحد، 19 أكتوبر 2014

التصلب المتعدد MS

ما هو التصلَب المتعدد (MS)؟

التصلب المتعدد أو التصلب العصبي المتعدد (MS) هو مرض يصيب الجهاز العصبي المركزي (CNS). إن الجهاز العصبي المركزي هو مصطلح يستعمل لوصف الدماغ وحبل العامود الفقري. التصلب المتعدد يوصف كالتهاب في حالة اضمحلال المايلين. إذا تناولنا الالتهاب أولا، فإن هذا الالتهاب يمكن أن يصور وكأنه يشبه الجرح الذي أصبح ملتهباً. يمكن المقارنة هنا مع التهاب جرح أو خدش. عادة يصبح الجرح ساخناً، محمراً، متورماً وموجعاً. غايلين (Gaelen)، في أوائل المقالات الطبية، وصف في بدء نتائج أبحاثه الالتهاب بأنه rubor et calor, tumor et dolor وهذا يعني احمرار وسخونة وورم وألم. أضاف بأنه et function laesa وترجمتها "نقص وظيفي". بالنتيجة، تتوقف الأعضاء الملتهبة عن العمل. هذه هي الميزات النموذجية للالتهاب. على المستوى المجهري، إن نظام المناعة يرسل كريات بيضاء إلى الموضع الملتهب. هذه الكريات البيضاء تفرز رسائل كيميائية تسبب تفاعل التهابي وتقوم بالتخلص من البكتيريا والجزيئيات والمواد الغريبة في الجرح. 

إن Demyelination أو حالة اضمحلال المايلين تشير إلى غمد المايلين (myelin sheath) حول الأعصاب. إن الخلايا العصبية في الجهاز العصبي المركزي لها تشعبات عدة تمكنها من التقارب من والتنقل إلى الخلايا العصبية الأخرى، وهكذا تتمكن هذه الخلايا من التواصل عن طريق بث دفعات كهربائية. هذه التشعبات أو axons هي كالأسلاك الهاتفية التي توصل الهواتف بعضها ببعض حتى تتمكن من "التكلم" مع بعضها وهي مغطات بما يشبه المواد العازلة للكهرباء اسمها المايلين )myelin(. فالمايلين (myelin) هي في الأصل غطاء من الدهون حول المحاور العصبية (axons) وهي نتيجة خلايا متخصصة )oligodendrocytes) ملتفة بشكل دائري حول المحور العصبي (axon)، مثل الطبقات المتواصلة للبصلة. هذا الغطاء هو دهني لأن الغشاء أو الغطاء الخارجي لكل خلية هو مؤلف بمعظمه من الدهون، بحيث أنه عندما تلتف الخلية حول المحور العصبي فإن هذه الطبقات المتعددة

إن نوع الدهون الذي يؤلف هذه الأغشية، وبالتالي طريقة عملها، يعتمد على نوعية الدهون التي نتناولها. من المهم الملاحظة أيضاً أن الإشارة التي تمر عبر المحور العصبي هي ليست في الحقيقة تياراً كهربائياً، ولكن تظهر وكأنها كذلك لسرعة حركة بعض الجزئيات التي تدعى أيون (ions) وهي داخلة وخارجة من الخلايا. هذه هي معادن نحن تعرفها جيداً مثل الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمانيزيوم إلخ.. وهي ناتجة بشكل كبير عن الأغذية التي نتناولها. فالغذاء هو في غاية الأهمية بالنسبة لتواصل الخلايا العصبية. فحالة اضمحلال المايلين تحصل عندما يهترئ بعض من هذه المايلين وحالة اضمحلال المايلين المصحوبة بالتهاب تعني بأن المايلين تمزق من جراء التهاب في الموقع.
إذن يكون تسلسل الأحداث بأن الالتهاب في موضع معين من غمد المايلين لعصب في الجهاز العصبي المركزي يتطور ويصبح التهاب حالة اضمحلال المايلين وهذا ما يؤدي إلى ما يسمى "قرح" التصلب المتعدد. هذه القروح كانت تدعى في الماضي لويحات، ولكن هذه تسمية خاطئة شيئاً ما لأنها توحي بأن شيئاً يغلف العصب. في هذه القروح الحاضنة للالتهاب تتمكن بعض الخلايا البيضاء من جهاز المناعة من الوصول إلى غمد المايلين (myelin sheath) وهو أمر لا تتمكن الخلايا القيام به عادة لوجود ما يسمى الفاصل بين الدماغ والدم. وقد يحصل بعد ذلك أن خلايا بيضاء أخرى تصبح مجتذبة من بعض الافرازات الكيميائية الصادرة من الخلايا البيضاء التي سبق ودخلت غمد المايلين . إن حالة اضمحلال المايلين يتبعه بعض الإصلاح والالتئام كالذي يحصل عادة بعد فترة ورم. النتيجة العملية هي أن نبض العصب لا يعود إلى المرور على طول المحور العصبي بنفس السهولة التي كان يمر فيها قبل حصول القرح. 

إن العوارض التي يشعر بها الإنسان المصاب بالتصلب المتعدد تتأثر بما يتصل العصب به. إذا كان المحور العصبي الموجود في العامود الفقري يتلقى رسائل حسية من الساقين، عندها يشعر المصاب بوخز أو تنميل. إذا كان المحور العصبي يحمل أوامر حركة إلى عضلات الساق، قد ينتج عنها بعض الإحساس بالضعف. إذا كانت الأعصاب المسؤولة عن التوازن داخل الدماغ مثلاً هي المصابة، قد يصبح من المستحيل على المصاب أن يتوازن في سيره دون أن يقع. وبما أن هناك بعض التورم في الأنسجة العصبية تتزامن مع عملية الإلتهاب، تتأثر عملية انتقال الإشارات العصبية من خلال هذه المحاور العصبية القريبة .عندما ينحسر التورم، فإن هذه الخلايا العصبية التي لم تصب بشكل بليغ ، ولكن لا تعمل بسبب الالتهاب والتورم، تبدأ في العمل مرة أخرى. ولهذا السبب وحده يكون هناك دائما تماثلاً للشفاء. كما وإنه يحدث بعض الإصلاح المحدود للخلايا العصبية المعطوبة، مع إعادة بناء الميالين (remyelination)، خاصة في الفترة المبكرة من الإصابة بهذا المرض، وبالتالي فإن أعراض هذا المرض قد تنحسر بعض الشيء. هناك أدلة متزايدة على أن إعادة بناء الميالين تحدث في مراحل المرض وذلك بشكل أكثر وضوحاً مما كنا ندرك

وهكذا فإن مساحة المنطقة التي يحدث فيها التنميل أو الشعور بالتخدير مرجحة للتقلص وكذلك الضعف مرجح أن يتحسن مع مرور الوقت وترافقاً مع عملية شفاء القرح والتئام الأعصاب التي هي في الواقع لم تصب بأذى ولكن لا تعمل بشكل جيد بسبب التورم. لكن التعافي غالباً ما يكون جزئياً، ويترك عند المصابين أعراضاً ولو أنها أقل حدة مما كانت عليه عندما كانت النوبة في ذروتها، في نفس الجزء من الجسم. إن هذه الأعراض تزداد أو تخف حدة تبعاً لعوامل عديدة. أهم هذه العوامل بالنسبة لمعظم الأشخاص المصابين بالتصلب العصبي المتعدد هو درجة الحرارة، لأن الإشارات العصبية تضعف مع ارتفاع درجة الحرارة. لذا فإن الحرارة تميل الى جعل هذه الأعراض أسوأ بالنسبة لمعظم الناس، مع العلم أن البرد هو المشكلة عند بعض الأشخاص. لكن العوامل الغذائية مثل المعادن في النظام الغذائي هي أيضا مهمة للإشارات العصبية. يهم الملاحظة هنا أنه على الرغم من أن الحرارة تبطئ الإشارات العصبية، فإنها لا تسبب ضرراً فعليا للأعصاب. إذن فإن ممارسة التمارين الرياضية هو جيد حتى لو كان يجعل الأعراض أسوأ على المدى
Back to Top
تدريجياً ومع تزايد القروح في الجهاز العصبي المركزي، يزداد عدد المسارات العصبية المعطلة أكثر وأكثر. وبالتالي يشعر المصاب بانخفاض تدريجي للقدرة الوظيفية. الكثير من هذه القروح تحدث في الناحية 'الصامتة' من الدماغ ولذلك يصعب ملاحظتها. أكثر ما نلاحظ هي تلك القروح التي تصيب الحبل الشوكي أو الأعصاب المؤدية إلى العين. عملياً إن كل هذه الألياف العصبية مهمة لوظائف كالإحساس والقوة والتوازن والنظر وغيرها. حتى أن قرح صغير هنا يتم ملاحظته. هذا الوضع يشبه المقاربة مع جهاز الكمبيوتر. إننا يمكن أن نتقبل المشاكل في برامج خاصة على جهاز كمبيوتر (العقل المفكر) من دون ملاحظتها كثيراً، ولكن إذا كان الشريط (الحبل الشوكي) المربوط بالشاشة معطوب فينتج من جرائه خسارة كبيرة.

تجري حالياً الكثيرمن البحوث حول كيفية محاولة الجهاز العصبي المركزي إصلاح هذه القروح. الجهاز العصبي لديه قدرة مذهلة لا تقتصر على التجدد بحيث أن يمكن للنبضات 'الالتفاف' حول المنطقة المتضررة فحسب، بل أيضا تحدث تغييرات في الدماغ تنطوي على تجنيد خلايا عصبية جديدة ومسارات للتعويض عن ما هو مفقود.² عندما لا يوجد سوى عدد قليل من القروح، فإن الجهاز العصبي المركزي هو قدير للغاية في هذا التجدد والتعويض، حتى لو كانت عملية عودة الميالين بطيئة. ولكن إذا استفحلت الحالة فإن هذه الآليات التعويضية تصبح مضغوطة ويحدث العجز التدريجي. ومن هنا ضرورة التركيز على العمل على استقرار المرض في وقت مبكر ومنع المزيد من الضرر بعد التشخيص الأولي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق